إن الإتيان بآليات استجابة للكوارث الطبيعية لا تتنافى بطبيعتها مع السياق الثقافي للمجتمعات المستهدفة، وناجعة النتائج من حيث التطبيق، يحتاج دون أدنى شك إلى  تعزيز البحث والابتكار على المستويات العالمية، والإقليمية، والوطنية، والمحلية على حد سواء. يقوم الخبراء وأصحاب وجهات النظر من الجهات العامة المشارِكة في العمل الإنساني وأعمال البحث والابتكار بتوفير خبرات قيّمة من شأنها دفع عجلة العمل في المنطقة، إلى جانب قدرتها على إعادة تشكيل الحوار العالمي حول كيفية تطوير النظام البيئي العالمي للبحث والابتكار في المجال الإنساني.

ويعد تمرين ترتيب الأولويات العالمية (GPE) الذي أطلقته مؤسسة تعزيز التعلم والبحث للمساعدة الإنسانية (Elrha) بمثابة جهد عالمي متكاتف للبحث والاستشارة، يسعى بدوره إلى تحسين المخرجات بالنسبة للأشخاص المتأثرين بالأزمات، وذلك من خلال تحقيق الحد الأقصى من الأثر المترتب على الاستثمار في البحث والابتكار، مما يترتب عليه فهم أعمق لنقاط القوة والضعف في البحث والابتكار في المجال الإنساني.

وللتعمق في النقاش في هذه القضايا، استضافت الشبكة الشرق أوسطية للصحة المجتمعية (امفنت) بالتعاون مع جامعة ديكين ومؤسسة تعزيز التعلم والبحث للمساعدة الإنسانية (Elrha) ندوة الكترونية تهدف إلى تحفيز التفكير والعصف الذهني بهذا المجال. وتأتي هذه الندوة في إطار سلسلة WEBi التابعة لامفنت. وشهدت هذه الجلسة الكشف عن نتائج المشاورات التي أجريت ضمن تمرين ترتيب الأولويات العالمية (GPE) لمنطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا.

عقدت الجلسة يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 واستمرت لمدة 90 دقيقة، وشارك فيها فريق من ذوي الخبرة في هذا المجال وهم: نائب المدير (الدولي) لمعهد ألفريد ديكين للمواطنة والعولمة، الأستاذ شهرام أكبر زاده، وأستاذة علم الأوبئة وعميد كلية العلوم الصحية في الجامعة الأمريكية في بيروت (AUB)، الأستاذة عبلة محيو، ومدير مركز التميز في الوبائيات التطبيقية في الشبكة الشرق أوسطية للصحة المجتمعية (امفنت) الدكتور يوسف خضر، وأستاذة علم الأوبئة في جامعة تونس المنار الدكتور حبيبة بن رمضان، والرئيس التنفيذي لمؤسسة الأصفري، السيدة منى عباس.

أدار الندوة  كل من الرئيس التنفيذي لمؤسسة تعزيز التعلم والبحث للمساعدة الإنسانية (Elrha)، السيدة جيس كامبيرن، ومدير المشاريع الأول في الشبكة الشرق أوسطية للصحة المجتمعية (امفنت)، السيدة لارا كفوف. وقد اتسمت إدارتهما للندوة بسلاسة الانتقال بين الفقرات والتقديم الموفق لكل واحدة منها.

استهل الدكتور يوسف خضر الندوة بكلمة افتتاحية ألقاها نيابة عن المدير التنفيذي للشبكة الشرق أوسطية للصحة المجتمعية (امفنت) الدكتور مهند النسور. وأشار إلى أن بلدان منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا تواجه بعضًا من أشد حالات الطوارئ والأزمات الأطول أمدًا في العالم، مما ساهم في ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات والنزوح، فضلً عن تزايد الاحتياجات الإنسانية بالغة الأهمية. وأكد الدكتور خضر أن عمليات البحث والتطوير قد أثبتت نجاعتها، لما لها من عظيم الأثر في المساعدة على التنبؤ بالأزمات الإنسانية وتوصيفها. وأضاف أيضا أنه ومن خلال البحث الفعّال يمكننا إيجاد حلول محتملة، وتقديم الإرشاد المناسب لفرق العمل الإنساني ومراقبة التقدم. وأنهى الدكتور خضر كلمته بالإشارة إلى تطلعه للاستماع للمناقشات المثمرة التي سيتم طرحها خلال بقية الندوة وقدم شكره للمتحدثين والحضور على مشاركتهم.

تلا كلمة الدكتور خضر كلمة السيدة جيس كامبيرن، والتي قدمت لمحة عامة عن تمرين ترتيب الأولويات العالمية (GPE). واستهلت حديثها الذي رافقه عرض تقديمي أكدت فيه على دور الشراكة العالمية من أجل التعليم في تحسين النتائج العائدة على الأشخاص المتضررين جراء الأزمات، وكيف يتحقق هذا الهدف الجوهري من خلال الوصول إلى الحد الأقصى من الأثر المرتب على الاستثمار في البحث والابتكار وكيف يؤثر بالإيجاب على النظام الإنساني. وأكدت السيدة كامبيرن أن عملية البحث والابتكار هذه تهدف أساسا إلى تحقيق فهم أعمق لنقاط القوة والضعف في نظام البحث والابتكار في المجال الإنساني وتنمحنا نظرة أكثر شمولية حول الأولويات بكافة مستوياتها.

وأضافت أيضًا أن مثل هذه المشاورات توفر رؤى لا تقدر بثمن حول تجارب الجهات العاملة الإنسانية على الصعيدين الإقليمي والوطني وتصوراتها للنظام البيئي للبحث والابتكار في المجال الإنساني، وأن هذه المشاورات تكشف عن المجالات والموضوعات التي تحتاج إلى جلب المزيد من الاهتمام لهذه المسألة.

واختتمت السيدة كامبيرن حديثها بأن مثل هذه المشاورات تؤدي دورًا رئيسا أيضا من خلال رفدنا بمؤشرات حول كيفية تحسين النظام البيئي في نظام البحث والابتكار في المجال الإنساني على المستويين الإقليمي والعالمي، وأنها تصف بشكل أفضل كيفية عمل نظام البحث والابتكار في المجال الإنساني، وأحياناً تساعدنا في الكشف عن وجود خلل وظيفي في البيئات الإنسانية المعقدة.

من جانبه، ذكر الأستاذ شهرام أكبر زاده في عرضه التقديمي أن تمرين تحديد الأولويات العالمية قد تم تنفيذه في ست مناطق حول العالم، وقد تم العمل على هذه الدراسة من خلال سلسلة من المقابلات مع عدد من المستجيبين الرئيسيين ممن يؤدون وظائف مختلفة في القطاع الانساني. وقد تناولت الدراسة دور نظام البحث والابتكار في المساعدة خلال الأزمات الإنسانية، بالإضافة إلى موضوعات البحث والتطوير التي تتطلب المزيد من الاهتمام. وأضاف الأستاذ أكبر زاده أن هذه الدراسة قد بحثت في التعديلات التي يمكن إجراؤها على عمليات البحث والابتكار وخاصة المواضيع التي تتطلب اهتماما أكثر، والاستثمار فيها، إلى جانب آليات الجهات المانحة في اتخاذ القرارات والاستجابة. واختتم الاستاذ عرضه التقديمي بالإعلان عن إتمام 134 مقابلة في 50 دولة ضمن هذه الدراسة.

استعرض بعدها الدكتور خضر النتائج الرئيسية للدراسة، مبينا أن الدراسة قد كشفت عن مجموعة من القضايا التي تبين مدى حاجتها للاهتمام وأهمها قضايا الصحة، والبيئة، وتغير المناخ، والتعليم، وتأمين سبل العيش والوصول إلى الفرص الاقتصادية، والأمن الغذائي والمائي، والنوع الاجتماعي، والممارسات الثقافية والاجتماعية.

وبشكل أكثر تخصيصًا، تضمنت موضوعات البحث والابتكار المتعلقة منها بالصحة والتي تتطلب التدخل الإنساني ما يلي: الأمراض السارية والأمن الصحي، وتحسين الوصول إلى الخدمات الصحية وتوافرها، وأخيرًا الصحة النفسية.

وشدد الدكتور خضر على أن مثل هذه القضايا في بعض الأحيان لا تحظى بالاستثمار الكافي، ويرجع السبب في ذلك إلى التحيز الثقافي أو نقص التمويل أو نقص الموارد البشرية أو الحساسية السياسية للقضية. ثم أنهى عرضه التقديمي بالإشارة إلى مدى أهمية إجراء حوار عالمي شفاف يتناول هذه التحديات والاعتبارات، إلى جانب تطوير إطار شامل للتمويل والسلوك الأخلاقيين للبحوث الإنسانية في سياقات الأزمات. وأضاف أخيرًا أن التمويل على مستوى الجهات المانحة يجب أن يكون أكثر مرونة وتوافقًا مع احتياجات المجتمع المستهدف.

تبع هذه العروض التقديمية حلقة نقاشية ضمت أستاذة علم الأوبئة وعميد كلية العلوم الصحية في الجامعة الأمريكية في بيروت (AUB) الأستاذة عبلة محيو، وأستاذة علم الأوبئة في جامعة تونس المنار الدكتور حبيبة بن رمضان، والرئيس التنفيذي لمؤسسة الأصفري السيدة منى عباس. وكان بعض أهم النقاط التي تم طرحها للنقاش خلال هذا الجزء من الندوة الإجراءات الرئيسية التي يتعين القيام بها من أجل تحسين عمليات البحث والابتكار في المنطقة. وفي هذا السياق، أوضحت الدكتور محيو أن مجال البحث والابتكار يلقى تطورا على الساحة الإقليمية، إلا أنه لا زال يواجه بعض التحديات.

وعلى وجه الخصوص، فإن أجندات البحث تحدد من الجهات المانحة ولا تحدد  بحسب الحاجة، مما يحد من الفائدة المرجوة من البحث أو ملائمته للتطبيق أصلا. ومن جهتها، قالت السيدة عباس أنه يجب دمج عمليات البحث والابتكار في مرحلة مبكرة من تصميم البرنامج، كما ويجب الاستماع أكثر إلى العاملين بالخطوط الأمامية، فهم من يمكلون المعلومات الأكثر قيمة والتي يجمعونها من اختلاطهم بالمستفيدين. وأخيرا، ذكر الأستاذ بن رمضان أنه يمكن معالجة اختلال التوازن من خلال التعامل مع الاستجابة الإنسانية كمسؤولية مشتركة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية معًا.

وتلت هذه الأفكار والرؤى جلسة أسئلة وأجوبة تفاعل فيها المشاركون مع أعضاء اللجنة، وتم خوض نقاشات مثمرة.

حضر هذه الندوة عبر الإنترنت 120 خبيرًا في الصحة العامة من المنطقة وخارجها، ونأمل أن تكون هذه الندوة إضافة جديدة إلى قائمة نجاحات سلسلة ندوات امفنت الالكترونية (EMPHNET WEBi series).