يعيش إقليم شرق المتوسط صراعات طويلة الأمد وحالة من عدم الاستقرار السياسي مما أدى إلى نشأة تعقيدات داخل مجتمعاته. ونتجت هذه التعقيدات عن الكوارث الطبيعية أو الأزمات البشرية أو كليهما معًا.

ولتسليط الضوء على المشكلات التي نواجهها عند الاستجابة للأزمات الإنسانية والبحث في سبل حلهاـ خصصت امفنت سلسلة من ثلاث ندوات من ندواتها الشهرية عبر الانترنت. بدأت أولاها في 16 كانون الثاني/يناير 2024 وحملت عنوان: التحديات في العمل الإنساني: منطقة شرق المتوسط مثالًا. وللبناء على المناقشات التي جرت في هذه الندوة، عُقدت الندوة الثانية بتاريخ 27 شباط/فبراير 2024 وحملت عنوان: منطقة شرق المتوسط من الأزمة إلى الحلول. أما الندوة الثالثة والأخيرة في هذه السلسلة فقد عُقِدت يوم 21 أيار/مايو 2024، وكان عنوانها: عام كامل من الحرب في السودان.

ركزت الندوة الإلكترونية الثالثة والأخيرة من السلسلة على تقديم لمحة عامة عن الوضع الإنساني في السودان وعن التحديات والتدخلات التي أجرتها وزارة الصحة الاتحادية السودانية والشركاء. كما وفرت مساحة للاستطلاع بالآثار المحتملة على المديين القريب والبعيد للصراع فيما يتعلق بتقديم الرعاية الصحية والصحة العامة ككل في البلاد.

تم تقديم هذه الرؤى من قبل ثلاثة خبراء في المجال وهم: وزير الصحة الاتحادي السوداني، معالي الدكتور هيثم عوض الله، أستاذ الصحة العامة في كلية لندن الإمبراطورية (إمبريال كوليدج) ومدير المركز التعاوني في منظمة الصحة العالمية ورئيس الجمعية العربية للصحة العامة، أ.د سلمان روّاف، وممثل منظمة الصحة العالمية في السودان، د. شبلي سحبان. وقام بتيسير الجلسة مدير مركز إدارة الطوارئ الصحة العامة في امفنت، د. هيثم بشير.

 وفي عرضه التقديمي الذي حمل عنوان: "النظام الصحي في السودان: بعد عام كابوسي، ماذا ينتظرنا؟" ذكر معالي الدكتور عوض الله أن النظام الصحي في السودان كان هشًا وضعيفًا بالفعل قبل بداية الحرب. ويرجع ضعف النظام إلى تأثره بحالة التزعزع السياسي، وجائحة كورونا (كوفيد-19)، والفيضانات، والأوبئة التي اجتاحت البلاد، وتجميد العديد من مشاريع الدعم العالمية.

تدهورت هذه الحالة بعد عام من الحرب في السودان، مما أدى إلى وقوع آثار فورية على النظام الصحي، بما في ذلك التدمير الجزئي أو الكامل للبنية التحتية الصحية، وتدمير ونهب سلاسل التبريد، واعتبار 50% من أراضي السودان مناطق صعبة الوصول، بالإضافة إلى وجود تفاوتات أخرى.

وأضاف معالي الدكتور عوض الله أن هناك توقعات بوجود آثار طويلة الأمد على النظام الصحي في السودان نتيجةً للحرب، بما في ذلك نقص معدلات التغطية في التطعيم والتغذية، وزيادة المضاعفات لدى الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، وزيادة نسبة هجرة الكوادر المُدَّربة والمؤهلة إلى الخارج بشكل كبير. ومن ثم انتقل معالي الدكتور إلى تحديد خمس أولويات صحية يجب التصدي لها. تشمل هذه الأولويات ضمان توفر المعدات الطبية الأساسية، واستمرارية تقديم الخدمات الصحية الأساسية، واستمرارية برامج صحة الأمومة والطفولة، وأخيرًا قيادة الاستجابة المتناسقة عبر وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الأخرى.

واختتم معالي الدكتور هيثم عوض الله عرضه التقديمي بسرد التحديات التي يواجها قطاع الرعاية الصحية في السودان. وتشمل أبرز التحديات صعوبة الوصول إلى المناطق المعزولة، ونقص التمويل، وتدمير البنية التحتية الصحية. إلا أنه أنهى عرضه بنبرة إيجابية قال خلالها أن النظام الصحي قد أظهر منعةً خلال العام الماضي بفضل تضامن المجتمع السوداني وقدرته على التصدي للتحديات.

ومن جانبه، ألقى أ.د روّاف برسالة مؤثرة ذكر فيها أن ما يحدث الآن في السودان هو نتيجة جرح ذاتي وأن تحقيق التغير الإيجابي يتطلب وقف الحرب. كما استشهد بالتجربة التي شوهدت في العراق حيث لم يتعافَ البلد حتى بعد مرور 20 عامًا على الحرب. وقال الدكتور روّاف أن هذا التعافي البطيء يعود إلى تحرك السكان، وهروب كبار المحترفين الصحيين والقامات الأكاديمية سعيًا للنجاح. وأكد أن التعافي سيستغرق وقتًا، لكنه أشاد بصمود السودان. وختم عرضه بتوجيه نصيحة بضرورة الاستمرار في الاستجابة لحالات الطوارئ وتدريب الأفراد في هذا المجال.

وفي العرض التقديمي الأخير في هذه الجلسة، ذكر د. سحبان أن السودان يواجه أكبر نسبة نزوح شهدها العالم، حيث ينزح واحد من كل ستة سودانيين سواء كان النزوح داخليًا أو عبر الحدود. وشارك الدكتور إحصائياتٍ مفزعةً أشار فيها إلى تسجيل السودان 27.000 إصابة و6000 حالة وفاة حتى الآن خلال الحرب، كما أشار في هذه الإحصائيات إلى معاناة السكان من سوء التغذية. ويحدث كل ذلك في ظل استمرارية تشكيل الأمراض غير السارية عبئًا على البلاد. يحتاج ما مجموعه 15 مليون شخص في الوقت الحالي إلى خدمات الرعاية الصحية، في حين يعتبر 5 مليون شخص فقط مستهدفين بهذه الخدمات. علاوةً على ذلك، فإن 40% فقط من المرافق الصحية تؤدي عملها في خمس ولايات.

وأضاف أيضًا أن الاستجابة في مثل هذه الحالات تتألف من ثلاثة ركائز: تقديم الخدمة، والتنسيق، والمناصرة وهذا ما يتطلب وضع السودان على جدول الأعمال العالمي.

بعد العروض التقديمية المثرية، أكد د. بشير على الحاجة إلى وجود المزيد من المناصرة لقضية لسودان والحاجة إلى تعبئة المزيد من الموارد لسد الفجوة واحتياجات الخدمات الصحية. وأعلن د. بشير أن امفنت ستعمل مع وزارة الصحة الاتحادية السودانية لتنظيم منتدى لدعم القطاع الصحي في السودان. حضر هذه الندوة الإلكترونية أكثر من 240 متخصصًا في الصحة العامة، وسجلت نجاحًا آخرًا ضمن نجاحات WEBi Series من امفنت.

شاهد تسجيل الندوة الإلكترونية هنا