لا يزال سرطان عنق الرحم يشكل تهديدا خطيرا على صحة وحياة الفتيات والسيدات في منطقة شرق المتوسط والعالم بأسره، بسبب العوائق المتعلقة بالوعي وإمكانية الوصول للخدمات الصحية الأساسية والمعايير الثقافية والبنية التحتية للرعاية الصحية، وذلك بالرغم من توافر تدابير وقائية فعالة مثل التلقيح ضد فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) المسبب الرئيسي لسرطان عنق الرحم، وإمكانية إجراء فحوصات منتظمة للوقاية من الإصابة بهذا المرض.

إن سرطان عنق الرحم هو مرض يمكن علاجه بشكل تام إذا ما تم تشخيصه في مراحل مبكرة، وإجراء الفحوصات الدورية المنتظمة للكشف المبكر عن أي تغييرات في خلايا عنق الرحم، كما يمكن الوقاية منه أيضا من خلال أخذ لقاح فيروس الورم الحليمي البشري، حتى أنه بعتبر النوع الوحيد من بين أنواع السرطان الأخرى التي يمكن القضاء عليه بشكل نهائي.

حتى عام 2022، احتل سرطان عنق الرحم المرتبة الرابعة بين أكثر السرطانات شيوعا بين النساء على مستوى العالم، حيث بلغ عدد الحالات الجديدة حوالي 660 ألف حالة، فيما بلغ عدد الوفيات نحو 350 ألف وفاة، كما تشير الإحصائيات إلى أن 1 من كل 5 أطفال ممن يفقدون أمهاتهم بسبب السرطان، يكون سرطان عنق الرحم هو السبب.

شهدت معدلات الإصابة بسرطان عنق الرحم انخفاضا كبيرا يزيد عن 50% من منتصف السبعينيات إلى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى تطور ممارسات الفحص التي تكشف تغيرات عنق الرحم قبل أن تتطور إلى سرطان. منذ عام 2012، استقرت معدلات الإصابة الإجمالية. ومع ذلك، خلال هذه الفترة نفسها، كان هناك انخفاض سنوي قدره 11٪ في معدلات الإصابة بين النساء الذين تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 24 عاما، وهو ما يمكن أن يعزى على الأرجح إلى إعطاء لقاح فيروس الورم الحليمي البشري (HPV)، وهو أيضا ما يعطي مؤشرا كبيرا على أن تسهيل خدمات الفحص المبكر والدوري والتلقيح كفيلان بالقضاء على هذا المرض نهائيا ضمن جيل واحد، وإنقاذ الأرواح في المنطقة والعالم.

في عام 2020، أيدت الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية (WHO) الاستراتيجية العالمية للقضاء على سرطان عنق الرحم باعتباره "مشكلة صحية عامة"، والتي تقدم خارطة طريق تستند إلى أهداف 90-70-90 التي يتعين تحقيقها بحلول عام 2030، والتي تقتضي بتلقيح 90% من الفتيات قبل عمر 15 بلقاح فيروس الورم الحليمي البشري، وتغطية 70% من السيدات بعمر 35 و 45 عاما بفحوصات الأداء العالي، وعلاج 90% من السيدات المصابات بسرطان عنق الرحم. وبالتعاون بين الجهات المعنية والمؤسسات المدنية ومختلف قطاعات الصحة، فإننا العالم يسير في طريق التخلص من هذا المرض على اعتباره إحدى مشكلات الصحة العامة الملحة.

تتوافق الأهداف الاستراتيجية لدى الشبكة الشرق أوسطية للصحة المجتمعية – امفنت ورؤاها مع الجهود الجمعية العالمية الرامية إلى تسريع القضاء على سرطان عنق الرحم، حيث تولي الشبكة اهتماما كبيرا لتعزيز تبادل المعرفة حول السياسات والممارسات المتعلقة بالصحة العامة في الإقليم، ولهذه المبادرة أهمية خاصة بالنسبة لمنطقتنا التي يعد سرطان عنق الرحم فيها هو سادس أكثر أنواع السرطان شيوعا بين النساء.

نظمت امفنت اجتماعات تشاورية لأصحاب المصلحة (بمن فيهم من المهنيين الصحيين من القطاع الخاص، والأوساط الأكاديمية، والمنظمات غير الحكومية، وممثلي وسائل الإعلام، ومنظمات الدفاع عن المرأة وتمكينها، والمؤثرين الصحيين المحليين، وقادة الفكر)، ونفذت زيارات جامعية، وحملات على وسائل التواصل الاجتماعي، وأقامت ندوة عبر الإنترنت جمعت فيها عددا من المشاركين من أصحاب الخبرة الواسعة في هذا المجال، وقد ساهمت هذه المبادرات بشكل كبير في رفع مستوى الوعي وتعزيز فهم سرطان عنق الرحم بين السكان.

كما تواصل امفنت الدعوة الى دمج جهود القضاء على سرطان عنق الرحم في خطط البرامج الصحية المعنية لضمان تعزيز النتائج والجداول الزمنية القابلة للقياس وتحسين البنية التحتية للرعاية الصحية، واستهداف كافة المناطق للوصول إلى الفحص والتلقيح والعلاج، والاستثمار في البحوث وأساليب جمع البيانات والتوعية والمناصرة.

تعي امفنت أنه من حق كل فتاة وسيدة – في كل مجتمع أو منطقة العالم – الحصول على خدمات صحية عالية الجودة، وهذا يوجب علينا بذل قصارى جهودنا الجماعية كي نصنع التاريخ معا ونتخلص من أول أنواع السرطان بشكل نهائي. فلنوحد صفوفنا ونعمل يدا بيد لنحافظ على الأرواح قدر المستطاع.