في ظل المخاوف المتزايدة بشأن انتشار الأمراض السارية والتهديدات البيولوجية الناشئة، عقدت شركة AMBIT Advisory بالتعاون مع مركز بحوث التنمية الدولية الكندي (IDRC) مؤتمرا إقليميا هاما حول "المخاطر البيولوجية الناشئة في الشرق الأوسط". وقد شهد المؤتمر، الذي عقد في 30 حزيران/يونيو 2024، مشاركة نخبة من الخبراء المتخصصين من جميع أنحاء المنطقة، ومنهم وفد من الشبكة الشرق أوسطية للصحة المجتمعية "امفنت".

ترأس أعمال المؤتمر الشريف ناصر بن ناصر، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة AMBIT Advisory. وفي كلمته الافتتاحية، قدم الشريف بن ناصر نظرة شاملة على التحديات والرؤى المستقبلية المتعلقة بتحقيق الأمن البيولوجي والسلامة البيولوجية في منطقة الشرق الأوسط، كما تناول في عرضه تأثير العديد من العوامل على الأمن البيولوجي والسلامة البيولوجية، كالحروب والنزاعات والتقدم التكنولوجي والثورة الصناعية. وأكد على أن هذه العوامل تشكل تحديات كبيرة، ولكنها تمثل أيضا فرصا لتحسين الأمن الصحي في المنطقة.

وقد أشار الشريف بن ناصر أيضا إلى مخاطر الثورة الصناعية الرابعة، مثل تسارع تبادل المعرفة وانتشار المعلومات المضللة وظهور الأوبئة المعلوماتية، ووضح أن هذه المخاطر تشكل تهديدا كبيرا على الأمن البيولوجي، مما يتطلب اتخاذ خطوات فعالة لمكافحتها. كما تحدث الشريف بن ناصر عن تأثير التغير المناخي على الأمن البيولوجي، واصفا إياه بأنه "تهديد حقيقي" يتطلب اهتماما خاصا.

وفي ختام كلمته، شدد الشريف بن ناصر على أهمية التعاون متعدد القطاعات والشراكات لتحقيق الأمن البيولوجي والسلامة البيولوجية في منطقة الشرق الأوسط والعالم. ودعا جميع الجهات المعنية إلى العمل معا لمواجهة التحديات المشتركة وتعزيز الأمن الصحي للجميع.

تلت كلمة الشريف بن ناصر عرضا للدكتورة جيما باوشر، وهي رئيس مشارك في أمن الصحة العالمية، مركز بحوث الصراعات والصحة، كلية كينجز  بلندن، والتي ركزت خلال عرضها على ضرورة فهم والتعامل مع الأنظمة المعقدة لمعالجة التحديات المتزايدة أمام الأمن البيولوجي، وأوضحت أن المخاطر البيولوجية تتزايد بشكل مطرد، وأن هذه المخاطر المتصاعدة تتطلب تعاونا وثيقا بين مختلف التخصصات لتطوير أدلة فعالة لمكافحتها.

كما دعت د. باوشر إلى إعادة تقييم أساليب التواصل بشأن المخاطر والغموض المحيط بحالات الطوارئ القائمة في المنطقة لنتمكن من فهم واقع الأنظمة البيولوجية المعقدة بدقة، مشددة على الحاجة إلى استثمار أكبر من قبل الممولين وصانعي السياسات في تطوير نهج جديدة لتوليد الأدلة. وأخيرا أكدت د. باوشر أن هذا الاستثمار ضروري لبناء سياسات فعالة تعزز الأمن البيولوجي على المستوى العالمي

سلطت الجلسة الثالثة من المؤتمر الضوء على الأطر الدولية والإقليمية للسلامة البيولوجية والأمن البيولوجي، والتي تشكل أساسا هاما لتعزيز هذه الممارسات في جميع أنحاء العالم.

ترأست الجلسة السيدة ريكا زينسكي، المستشارة في منظمة الصحة العالمية (WHO)، حيث قدمت السيدة زينسكي شرحا تفصيليا للعديد من الأطر الدولية والإقليمية المهمة، ومنها القرار WHA77.7 لتعزيز إدارة مخاطر الأمان البيولوجي في المختبرات، ودليل منظمة الصحة العالمية للأمن البيولوجي في المختبرات، والمجموعة الاستشارية الفنية التابعة لمنظمة الصحة العالمية للسلامة البيولوجية/الأمن البيولوجي ودورها في توجيه الأمان البيولوجي. وأوضحت السيدة زينسكي كيف تساهم هذه الأطر في تعزيز ممارسات السلامة البيولوجية وتقليل المخاطر البيولوجية. وختمت عرضها بتقديم أداة تقييم مخاطر الأمان البيولوجي RAST، وهي تطبيق محمول يساعد المتخصصين على إجراء تقييمات مخاطر الأمان البيولوجي في المختبرات.

وفي العرض التالي، شارك الدكتور صبري جماخ، المسؤول الطبي في منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط، (WHO EMRO) خطة الإستراتيجية الإقليمية للصحة والأمن في إقليم شرق المتوسط مع المشاركين. شرح الدكتور جماخ أهداف هذه الاستراتيجية ورؤيتها وخطط العمل الخاصة بها، والتي تهدف إلى تعزيز الأمن الصحي في المنطقة من خلال تحسين ممارسات السلامة البيولوجية والأمن البيولوجي.

شارك الدكتور محمود كايد، منسق وقائد فريق السلامة البيولوجية والأمن البيولوجي في الشبكة الشرق أوسطية للصحة المجتمعية (امفنت)، رؤى ثاقبة حول الدروس المستفادة من تجربة الشبكة (امفنت) في الاستعداد للأوبئة المستقبلية. وقد افتتح كلمته بملاحظة إيجابية، مسلطا الضوء على التقدم المحرز في مجال الرعاية الصحية بمنطقة شرق المتوسط. وأشار إلى أن هذا التقدم أدى إلى ارتفاع متوسط العمر المتوقع وتوسيع نطاق توفر الخدمات الصحية في العديد من البلدان. ومع ذلك، فقد أقر بأن الظروف الاقتصادية المواتية لعبت دورا في تحقيق هذه المكاسب الصحية.

وبالرغم من هذه النجاحات، فقد ألمح أيضا إلى التحديات التي تواجهها المنطقة. تشمل هذه التحديات ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، وعدم المساواة في التغطية، والقيود في قدرات التخطيط والتنفيذ والرصد، وغيرها. ثم تحدث عن مساهمات "امفنت" في جهود الاستجابة الإقليمية لجائحة كورونا (كوفيد-19)، مشيرا بشكل خاص إلى عملها مع البلدان والمهنيين والشركاء، ومساهماتها في بناء القدرات والبحث العلمي ونشر المعرفة والتوعية.

واختتم عرضه بتقديم رؤى حول التوجهات المستقبلية، حيث شدد على أهمية التعاون مع الشركاء الدوليين، ودعم تنفيذ اللوائح الصحية الدولية (IHR)، ودعم خطط الاستجابة للتخفيف من التهديدات العابرة للبلدان، والتوعية حول نهج "الصحة الواحدة"، وتعزيز التواصل حول المخاطر وكذلك مشاركة المجتمع.

من جانبه، تناول البروفيسور عامر إكرام، مستشار الصحة في مؤسسة فوجي في باكستان، موضوع الأمن البيولوجي في المختبرات، مركزا على عنصري الأمن المادي وأمن المعلومات. وأكد أن برامج السلامة البيولوجية والأمن البيولوجي الفعالة تدمج بين هذين العنصرين مع استراتيجيات أخرى لتقليل المخاطر وحماية البيئات المختبرية الحساسة، وشدد البروفيسور إكرام على أهمية اليقظة المستمرة والتحسين المستمر لممارسات الأمن البيولوجي لضمان سلامة العاملين في المختبرات والبيئة المحيطة بها.

تناولت جلسات أخرى في المؤتمر موضوعات حيوية تتعلق بآفاق وتداعيات التكنولوجيا الحيوية والمختبرات التشخيصية. وقد ألقى هذه الجلسات خبراء بارزون في هذين المجالين، منهم الدكتور سامح عزام، مدير التكنولوجيا الحيوية في إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة حكمة للأدوية، والدكتور جورج صهيون، كبير الموظفين العلميين في مجموعة مختبرات مدلاب. وقدم الخبيران خلال هذه الجلسات رؤى ثاقبة حول التطورات والتحديات في مجالي التكنولوجيا الحيوية والمختبرات التشخيصية، كما ناقشا التأثير المحتمل لهذه التقنيات على المستقبل.

كما شددت متحدثات بارزات، وهن السيدة ناتالي سبيرز، قائد مشروع الأمن البيولوجي والكيميائي في وزارة الخارجية الكندية، والسيدة فيرونيكا روفينغو، وهي مسؤول فني في منظمة الصحة العالمية، على ضرورة التعاون والتنسيق والمساعدة الإقليمية والدولية لمكافحة المخاطر البيولوجية. وشددتا على أهمية دور فريق العمل الخاص بالمخاطر البيولوجية التابع للأمم المتحدة في هذا الجهد العالمي.

في الجلسة الختامية، اتفق الخبراء المشاركون في المؤتمر على الخطوات المستقبلية الضرورية، وأبرزها إنشاء شبكة تعزز التنسيق والتعاون في مواجهة المخاطر البيولوجية الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وخارجها. هذه الشبكة ستساهم في تعزيز قدرات الاستجابة وتوفير منصة للتبادل الفعال للمعرفة والخبرات، مما يسهم في تحسين مستوى الأمان البيولوجي على الصعيدين الإقليمي والدولي.