خلال السنوات القليلة الماضية، بات الوعي بدور الصحة النفسية في تحسين جودة الحياة يتنامى بشكل ملحوظ على المستوى العالمي، إذ أصبح العالم مدركا أن رفاه الفرد – بغض النظر عن العمر – لا يقتصر على الصحة الجسدية فحسب، بل يشمل الصحة النفسية أيضا. ويكتسب هذا الموضوع أهمية خاصة بالنسبة للأطفال والمراهقين الذين يعيشون مرحلة عمرية حساسة، حيث تصبح حماية الصحة النفسية ضرورة حتمية لا رفاهية اختيارية.
وعلى الرغم من الوعي المتزايد بأهمية الصحة النفسية، إلا أن الدراسات التي تم إجراؤها في إقليم شرق المتوسط (EMR) كشفت عن معدلات مقلقة من اضطرابات الصحة النفسية والمشكلات النفسية والاجتماعية بين الأطفال والمراهقين، ولكن يمكن اعتبار أن هذه النتائج ليست شاملة نظرا لأن الدراسات كانت تستند إلى عينات صغيرة.
وفي الأردن، تعاونت الشبكة الشرق أوسطية للصحة المجتمعية (امفنت) مع وكالة اليابان للتعاون الدولي (JICA) وكل من وزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم الأردنيتين، لإجراء مسح وطني شامل في الأردن. هدف هذا المسح إلى تقييم الصحة النفسية لدى فئة واسعة من السكان، بمن فيهم الأطفال والمراهقين الأردنيين الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و 18 عاما، وكذلك حملة الجنسيات الأخرى كاللاجئين السوريين والفلسطينيين. وتم اختيار المشاركين من المدارس الحكومية والخاصة والمدارس التابعة للأونروا ومدارس مخيم الزعتري، بالإضافة إلى مراكز التعليم غير النظامية في جميع محافظات الأردن.
خرجت هذه الدراسة بنتائج شاملة حول الحالة النفسية للأطفال والمراهقين، مشيرة إلى معدلات مقلقة من الاكتئاب والقلق واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) وغيرها من الصعوبات العاطفية والسلوكية. وتتخطى أهمية هذه الدراسة المجال البحثي، لتصل إلى التأثير على عملية صنع القرار. فمن المتوقع أن تشكل نتائجها حجر الأساس لبرامج وتدخلات موجهة لمعالجة هذه الفئة العمرية في الأردن. وتعد الأردن نقطة انطلاق هامة لهذا العمل وقد تكون بداية الطريق لدراسات مستقبلية مشابهة في باقي بلدان الإقليم.
تواصل امفنت جهودها الرائدة في تعزيز الصحة النفسية للأطفال والمراهقين من خلال دراسة جديدة بعنوان "مدى معرفة المعلمين وسلوكياتهم ومهاراتهم وممارساتهم والعقبات المتوقعة فيما يتعلق بتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب في الأردن" والتي استهدفت المعلمين العاملين في المدارس الحكومية والخاصة والمدارس التابعة للأونروا ومدارس مخيم الزعتري، بالإضافة إلى مراكز التعليم غير النظامية. وقد هدفت هذه الدراسة إلى عمل تقييم شامل لمدى معرفة المعلمين بموضوع الدعم النفسي والاجتماعي، ومواقفهم منه، ومهاراتهم في تقديمه، وممارساتهم الفعلية في هذا الصدد، والمعوقات التي يواجهونها أثناء تأدية هذه المهمة.
وقد كشفت الدراسة عن بعض التحديات الرئيسية التي تواجه المعلمين في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب، والتي تشمل سوء فهم الأهل لدور المعلمين في تقديم هذا الدعم، وغياب الدعم النفسي والاجتماعي المتكامل في المنهج الدراسي، والتحديات في تحديد الطلاب الذين يعانون من مشاكل نفسية واجتماعية في الفصول الدراسية الكبيرة. كما ألقت هذه الدراسة الضوء على الحاجة الملحة لمعالجة هذه القضايا لضمان حصول الطلاب على الدعم اللازم للنجاح أكاديميا وعاطفيا
تتخطى نتائج الدراسة حدود الفرد لتشكل تحديات مجتمعية تتطلب حلولا شاملة، فقد أظهرت الدراسة أن المعوقات التي تواجه المعلمين في تقديم الدعم النفسي للطلاب لا تقتصر على مهاراتهم أو معرفتهم، بل تتأثر بعوامل اجتماعية أوسع؛ مما يؤكد على ضرورة اتباع نهج متعدد المستويات لمعالجة هذه القضية، يأخذ بعين الاعتبار العوامل الفردية والعلاقاتية والمجتمعية والسياسية.
تؤكد امفنت على التزامها الدائم برفع الوعي حول قضايا الصحة النفسية بين الأطفال والمراهقين، وتهيب بجميع الجهات المعنية للتعاون في تحسين الدعم النفسي المقدم للطلاب في المدارس على اعتبار أن التجربة في الأردن كانت مثالا فقط. وفي المستقبل، تسعى الشبكة إلى المساهمة في توسيع هذه الجهود لتشمل بلدانا أخرى في الإقليم. كما تؤمن امفنت بأن الاستثمار في مهارات المعلمين هو استثمار في مستقبل أفضل للأجيال القادمة، وأن تزويدهم بالمهارات اللازمة لتحديد ومعالجة القضايا النفسية، سيمكنهم من تقديم المساعدة النفسية والاجتماعية المطلوبة.