في قلب إقليم غدو في الصومال، حيث تتناثر المخيمات والتجمعات البدوية، تكافح الأمهات لتأمين الماء لمواشيهن وتوفير المراعي، وتبقى اللقاحات خارج نطاق اهتمامهن اليومي. بالنسبة لهؤلاء النساء، نادرا ما تتعدى أحاديثهن حدود البقاء على قيد الحياة والبقاء اليومي. لكن بالنسبة لعبدية محمد، وهي أم لأربعة أطفال تبلغ من العمر 25 عاما، فقد كانت المشاركة في مبادرة صحية نقطة تحول جذرية في حياتها وحياة مجتمعها.

وكحال العديد من النساء في مخيم سارمانلي للرحّل في مقاطعة دولو، لم يسبق لعبدية أن حضرت تجمعا يركز على الصحة. فقد كانت حياتها تدور حول تربية أطفالها وضمان بقاء مواشيها في ظل التحديات القاسية لأسلوب الحياة البدوي. تقول عبدية: "التجمعات الوحيدة التي كنت أعرفها هي حفلات الزفاف، حيث نجتمع للطهي والاحتفال. لكن هذا اللقاء كان مختلفا".

عندما دُعيت عبدية لحضور جلسة لمجموعة الرعاية التي نظمتها امفنت، لم تكن تعلم ما الذي ستواجهه. كانت هذه أول جلسة من نوعها تحضرها، وهناك اكتشفت القوة المنقذة للحياة التي توفرها اللقاحات. فقد عرّفتها العروض التقديمية والمناقشات التفاعلية على مفاهيم لم تصادفها من قبل، مثل التحصين ضد أمراض مثل شلل الأطفال، والسل، والحصبة، وغيرها من الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات.

حتى ذلك الحين، كانت عبدية تعتمد على المعالجين التقليديين، مثل الشيخ "أولدمان أبي"، للحصول على النصائح الصحية. إلا أن هذه الجلسة كشفت لها أن الطب الحديث، وخاصة اللقاحات، يمكن أن يحمي أطفالها من مخاطر هذه الأمراض. تقول عبدية: "لم أسمع عن اللقاحات من قبل هذه الجلسة. لم أكن أعلم أنها يمكن أن تمنع الأمراض. لكن الطريقة التي قدمت بها المعلومات جعلت الأمر واضحا بأن هذه الأمراض تشكل تهديدا حقيقيا على أطفالنا. أدركت حينها أن علي التحرك".

تم تصميم مبادرة "مجموعات الرعاية" خصيصا لتلبية الاحتياجات الفريدة للمجتمعات الرحل، مثل مجتمع عبدية. وقد تم اختيار الأمهات الرائدات في هذه المجموعات بعناية فائقة، حيث تم التركيز على القابلات التقليديات ذوات الخبرة في مجال صحة الأم والطفل، واللاتي يتمتعن بمهارات تواصل قوية ومكانة مرموقة في المجتمع. لعبت هؤلاء الأمهات دورا حيويا في نشر الوعي الصحي بين أفراد المجتمع، وتحفيز الأمهات الأخريات على تبني ممارسات صحية أفضل.

بالنسبة لعبدية، كانت نقطة التحول الحاسمة خلال إحدى جلسات التوعية الصحية، حيث تم استخدام أدوات بسيطة وفعالة، مثل عصا تمثل طفلا محصنا بالكامل وأخرى ترمز إلى طفل غير محصن. وقد أوضح هذا العرض الفرق الشاسع في المخاطر الصحية التي يتعرض لها كلا الطفلين، مما جعل عبدية تدرك أهمية التطعيم ودوره في حماية صحة الأطفال.

"كانت الرسالة واضحة: الأطفال الذين يتلقون جميع اللقاحات أقل عرضة للإصابة بالأمراض، حتى أثناء تفشيها. أدركت أن علي تطعيم أطفالي مهما كان الثمن. وإن اضطررت لبيع ما أملك من الماشية لضمان تحصينهم، فسأفعل ذلك. صحتهم هي أولويتي القصوى".

في منطقة غدو الصومالية، حيث يواجه الرحل تحديات جمة في الوصول إلى الخدمات الصحية، تبرز مبادرة "مجموعات الرعاية" كنموذج فعال للتغيير. فبسبب بعد المرافق الصحية والظروف المناخية القاسية التي تجبر العائلات على التنقل المستمر بحثا عن الماء والمراعي، يصبح الحصول على الرعاية الصحية أمرا بالغ الصعوبة. ورغم هذه العقبات، أثبتت مبادرة "مجموعات الرعاية" نجاحها، حيث تحولت عبدية والأمهات المشاركات في البرنامج إلى مناصرات قويات للتحصين، وقائدات فاعلات في حشد المجتمع خلال حملات التطعيم.

خلال حملات التحصين التكميلية الأخيرة، أدت عبدية وزميلاتها دورا محوريا في التواصل الفعال مع مجتمعاتهن، حيث نجحن في إيصال رسائل التوعية بأهمية التطعيم إلى 262 أسرة متنقلة و 849 أمًا. ونتيجة لهذه الجهود المثمرة، شهدت معدلات التطعيم بين الأطفال دون سن الخامسة ارتفاعا ملحوظا.

"سأواصل العمل التطوعي في تعبئة مجتمعي لأنشطة التحصين، خاصة خلال حملات التحصين التكميلية والتطعيم الروتيني. إنها مهمة صعبة بسبب نمط حياتنا غير المستقر، لكنها رسالة أؤمن بها. لكل طفل، أينما كان، الحق في الحصول على اللقاح والتمتع بصحة جيدة".

تعتبر عبدية اليوم قدوة صحية ملهمة في مجتمعها، حيث تشغل دور "الأم القائدة" ضمن مبادرة "مجموعات الرعاية". وهي ملتزمة بنشر الوعي الصحي والدفاع عن حق الجميع في الحصول على الرعاية الصحية الشاملة، وخاصة الفئات الأكثر تهميشا، كمجتمعات الرحل. وقد ألهمت حماستها للتحصين العديد من أفراد مجتمعها، وهي تؤمن إيمانا راسخا بقدرة هذا النموذج على إحداث تغيير جذري في المفاهيم والممارسات المتعلقة باللقاحات.

"أريد أن أكون بطلة في مجتمعي، شخصا يدافع عن خدمات صحية شاملة للجميع. أثرت هذه الجلسات فيّ بشكل عميق، وأنا مصممة على إثبات أن هذا النموذج يمكن أن يحدث فرقا حقيقيا للمجتمعات المتنقلة".

إن التزام عبدية يعكس قوة التدخلات الصحية المجتمعية وإمكاناتها في إحداث التغيير، حتى في أكثر المناطق تهميشا وافتقارا للخدمات. وتختتم قائلة: "أشعر بامتنان عميق لامفنت على دعمها لهذا النموذخ الذي يحدث تأثيرا ملموسا من خلال تغيير المواقف، وزيادة معدلات التحصين، وتقديم الخدمات الصحية الأساسية للمجتمعات المتنقلة والأشد حاجة".

تجسد قصة عبدية نموذجا ملهما لكيفية إحداث تغيير حقيقي في الوصول إلى الرعاية الصحية وتحسين النتائج الصحية للفئات الأكثر احتياجا من خلال تضافر الجهود المجتمعية. فمن خلال التعاون الوثيق والالتزام المستمر، استطاعت امفنت تمكين قادة صحيين محليين مثل عبدية، ليصبحوا عوامل تغيير مستدام في مجتمعاتهم التي تفتقر إلى الخدمات الصحية الكافية.