يواصل كوفيد -19 فرض التحديات على كل جانب من جوانب حياتنا اليومية. فمنذ أن أعلنت منظمة الصحة العالمية عن تصنيف كوفيد-19 كجائحة في آذار 2020، لا تزال البلدان في جميع أنحاء العالم تواجه تحديات خطيرة يفرضها الارتفاع المستمر في عدد الحالات والإدخال في المستشفيات. ومن جانب آخر، فقد سلط الوباء الضوء أيضًا على البُعد المتمثل في قدرات الصحة العامة، والذي لم تتم، على الرغم من أهميته، تغطيته بشكل كافٍ لا سيما في المناقشات الدائرة حول كوفيد -19 في منطقة شرق المتوسط، التي تعاني معظم بلدانها بالفعل من نقص عام في أعداد العاملين في مجال الرعاية الصحية وتعمل على تعزيز كفاءات الأعداد المتوفرة منهم، فضلاً عن مواجهة التحديات الناجمة عن سوء التوزيع الجغرافي.

وفي يوم الثلاثاء 12 كانون ثاني 2021، تعاونت امفنت مع اتحاد الجامعات العربية لمعالجة هذه المسائل في ندوة عبر الإنترنت نفذت تحت عنوان "كوفيد -19 والعاملين الصحيين: الآثار المترتبة على قدرات الصحة العامة".

وقام بإدارة هذه الندوة فريق من أربعة خبراء صحيين من بينهم: منسقة تنمية القوى العاملة الصحية في المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، الدكتورة فتحية جيديك غولين؛ ومدير وكالة اعتماد التعليم في مجال الصحة العامة (APHEA) في بروكسل، الدكتور جوليان غودمان؛ واستشاري القوى العاملة الصحية ورئيس مجلس طب المجتمع في المجلس العربي للتخصصات الصحية، الدكتور الشيخ بدر؛ وأستاذ الأبحاث في جامعة إيموري، كلية رولينز للصحة العامة والشريك الإداري في شركة "بي أتش بي براكتس"، الدكتور سكوت مكناب.

وقام بتيسير الندوة الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية، الأستاذ عامر سلامه؛ والمدير التنفيذي لـ امفنت، الدكتور مهند النسور.

وافتتح الدكتور مهند النسور الندوة بتقديم موجز عن كوفيد -19 وتقديم موضوع الندوة. وبشكل أكثر تحديدًا، تحدث عن تأثير كوفيد -19 من حيث الأزمة العالمية على توزيع وكفاءات قدرات العاملين الصحيين في منطقة شرق المتوسط، ثم قدم بعد ذلك الميسر المشارك والخبراء المشاركين.

وفي بداية العرض التقديمي من الدكتورة غولين، أشارت إلى أن هذه الندوة تأتي في الوقت المناسب، خاصة وأن عام 2021 قد تم إعلانه باعتباره العام الدولي للعاملين في مجال الصحة والرعاية كما حددته جمعية الصحة العالمية لمنظمة الصحة العالمية في تشرين أول 2020. وأشارت أيضًا إلى أنه وحسب علمها، فإن هذه الندوة هي الأولى التي تُعقد حول العاملين الصحيين على المستوى الإقليمي والعالمي أيضًا. وانتقلت بعد ذلك لمناقشة تأثير كوفيد -19 على العاملين في مجال الصحة العامة، مشيرة على وجه التحديد إلى أن التعليم المهني الصحي قد تعطل، وأن جائحة كوفيد -19 أظهرت أن المزيج المطلوب من المهارات التي يجب أن يمتلكها العاملون في مجال الرعاية الصحية أصبح مختلفاً اليوم عما كان عليه في السابق، حتى قبل عام واحد فقط. وأشارت إلى أن الوضع الوبائي الحالي يكشف عن الحاجة إلى المزيد من المتخصصين في الصحة العامة ممن لديهم معرفة أكبر بصحة الناس، وفهم أفضل لمبادئ الصحة العامة، ومعرفة وفهم أفضل للعمل الجماعي، ومعرفة أفضل في النظم الصحية، والمهارات القيادية، والقدرة على المشاركة مع المجتمعات.

أما العرض الثاني الذي قدمه الشيخ بدر، فقد تحدث فيه عن الصحة العامة والعاملين الصحيين في منطقة شرق المتوسط. وذكر أن هناك ضعف في المناهج التعليمية للصحة العامة في المنطقة. كما أوصى بأن يتم التركيز بشكل أكبر على المسارات الوظيفية للمختصين في الصحة العامة، بالإضافة إلى وجود بروتوكولات وإرشادات للعاملين في هذا المجال. وأضاف أن هناك حاجة لمزيد من فرص نشر الأعمال العلمية في مجلات الصحة العامة لهذه الشريحة من العاملين.

ووفقًا لما ذكره الدكتور بدر، يجب وضع جدول أعمال أوضح للعاملين في مجال الصحة العامة. كما يجب تطوير هذا الجدول على أساس الأولويات، والتمويل المبتكر، وبناء القدرات والمنهجيات. وأشار أخيرًا إلى أن الشبكات الإقليمية وجمعيات الصحة العامة ومنصات الصحة العامة العالمية تؤدي دوراً في تعبئة الموارد وتعزيز قدرات هؤلاء العاملين أيضًا.

من جانبه، تحدث الدكتور جوليان جودمان عن وكالة اعتماد التعليم في مجال الصحة العامة. وأشار إلى أن الإغلاق المفروض في إطار الاستجابة لـ كوفيد -19 كشف ثغرات عديدة تواجه العاملين في مجال الصحة العامة. وتشمل هذه الثغرات؛ الافتقار إلى الوصول إلى موارد التعلم، حيث توجب على موارد مثل المكتبات والمهن والرعاية دمج إمكانية الوصول عبر الإنترنت في بنيتها التحتية. كما أصبح أساتذة الجامعات بحاجة إلى دعم عملية التعلم عن بعد بسرعة، وقد رافق ذلك ظهور التحدي المتمثل في الثغرات في المعرفة التقنية لبعض العاملين في الصحة العامة. ومع ذلك، ذكر أن هذه الدعوة لا تعني أننا يجب أن نستغني عن التعلم التقليدي ولكن بدلاً من ذلك يجب أن نتبنى نهجًا أكثر دمجًا.

وذكر المتحدث الأخير في الندوة، الدكتور سكوت مكناب، أن هناك حاجة بارزة لتحديث تدابير الأمن الصحي العالمية، وأنه لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تطوير مجموعة المهارات والوصول إلى المعرفة المتاحة للعاملين في مجال الصحة العامة. ودعا كذلك إلى اعتماد التعلم المدمج أثناء إجراء مسح لإيجابيات وسلبيات اعتماد مناهج التعلم عبر الإنترنت.

وبعد هذه العروض، اختتم الدكتور النسور المناقشة وسلط الضوء على أهم التوصيات. واختتم الدكتور سلامه الندوة بتقديم الشكر للمتحدثين والميسر والجمهور. وحضر الندوة ما مجموعه 230 شخصًا ساهموا بنشاط في المناقشات من خلال طرح الملاحظات والأسئلة.