في ظل تصاعد النزاع  في السودان وتأثيراته المدمرة على النظام الصحي، أطلقت امفنت "الحملة الدولية لدعم القطاع الصحي في السودان." تهدف هذه الحملة الاستثنائية، التي تمتد على مدار ثلاثة أشهر، إلى تقديم دعم عاجل وطويل الأجل للقطاع الصحي المتضرر، وذلك من خلال بناء شبكات تعاون وتنسيق قوية بين مختلف الشركاء والجهات المعنية لضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل فعال ومنظم، والاستجابة الفورية والمرنة للاحتياجات المتزايدة في سياق الأزمات والطوارئ.

في 27 أغسطس 2024، نظمت امفنت منتدى افتراضيا هاما ضمن فعاليات حملة دعم السودان. حيث هدف المنتدى إلى تسليط الضوء على الأزمة الإنسانية والصحية المتفاقمة في السودان، ودعوة المجتمع الدولي إلى زيادة جهوده في الاستجابة والإغاثة. كما ركز المنتدى على مناقشة التحديات التي تواجه العاملين في المجال الإنساني، وتحديد التدخلات العاجلة والطويلة الأجل اللازمة لمعالجة هذه الأزمة. وأكد المنتدى على أهمية التعاون والتنسيق بين مختلف الجهات العاملة لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المستفيدين بشكل فعال وشفاف.

أدار هذا المنتدى نخبة من الخبراء في المجال الصحي والإنساني، ضمت كلا من وزير الصحة الاتحادي السوداني، معالي الدكتور هيثم عوض الله، ومديرة الصحة الدولية في وزارة الصحة الاتحادية السوداينة، الدكتورة آلاء مدثر، ورئيس جمعية الأطباء السودانيين الأمريكيين (SAPA)، الدكتور ياسر الأمين، ومدير مركز إدارة طوارئ الصحة العامة في امفنت، الدكتور هيثم بشير. وقد تولى الدكتور مهند النسور، المدير التنفيذي لامفنت، مهمة إدارة الجلسات. كما شهد المنتدى مشاركة واسعة من خبراء ومختصين قدموا مداخلات قيمة أثرت النقاشات.

في عرضه الشامل، قدم الدكتور هيثم بشير رؤية شاملة لخطة دعم السودان، مستعرضا الحوافز والدوافع التي أسفرت عن إطلاق هذه الحملة الإنسانية العاجلة. كما ألقى الضوء على آلية العمل التي تم اتباعها، حيث تم تشكيل لجنة تحضيرية مقسمة إلى ثلاث مجموعات عمل فنية متخصصة، تتولى كل منها مسؤولية تطوير خطط عمل محددة في مجال اختصاصها. وقد تم استعراض المشاريع المقترحة التي تستند إلى التوصيات القيمة التي خرجت بها هذه المجموعات.

في مستهل الجلسة، قدم معالي الدكتور هيثم عوض الله عرضا وافيا للأزمة الصحية المتفاقمة في السودان، مستندا إلى أرقام وإحصائيات دقيقة حول النازحين وأعباء الأمراض المنتشرة، وصعوبات الوصول إلى الرعاية الصحية، بالإضافة إلى النقص الحاد في التمويل. ثم سلط الضوء على أبرز الاحتياجات الملحة للقطاع الصحي، والتي تشمل الأدوية والإمدادات الطبية، وتوفير التمويل المستدام للخدمات الصحية، ودعم الكوادر الصحية، وتعزيز برامج صحة الأم والطفل. كما استشرف معالي الدكتور هيثم عوض الله التحديات المستقبلية التي قد تواجه القطاع الصحي في ظل استمرار النزاع، والتي تشمل التلوث البيئي وتدهور البنية التحتية الصحية، ونقص الكوادر المؤهلة، وخطر تفشي الأوبئة والأمراض المعدية.

في العرض التقديمي الثالث بعنوان "الاحتياجات الصحية والإنسانية والتدخلات ذات الأولوية في السودان"، قدمت الدكتورة آلاء مدثر تحليلا مفصلا لأولويات القطاع الصحي في البلاد، مستعرضة الأولويات الصحية الخمس الأكثر إلحاحا، والتكاليف المقدرة لكل منها. وشملت هذه الأولويات ضمان توفر الأدوية الأساسية والمنقذة للحياة، والحفاظ على تقديم الخدمات الصحية الأساسية الطارئة في المستشفيات، والتنسيق الفعال للاستجابات مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، وغيرها من التدخلات الحيوية.

كما استعرضت الدكتورة آلاء مدثر أدوار مختلف الجهات المعنية داخل وزارة الصحة في الاستجابة للأولويات الصحية المحددة، ومناقشة التحديات التي تواجه كل جهة على حدة. كما سلطت الضوء على الفرص المتاحة للتعاون والتنسيق بين هذه الجهات، وحثت الجميع على المشاركة الفعالة في الجهود المبذولة. وأكدت على أهمية تبني منظور تنموي شامل في جميع التدخلات الصحية، وذلك لضمان استدامة هذه الجهود وتلبية الاحتياجات الصحية للسودان على المدى الطويل.

ومن جهته، استهل المتحدث الرابع، الدكتور ياسر الأمين، جلسته بعرض صور مروعة تكشف عن حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية الصحية في السودان. وأكد على دور المجتمع المدني السوداني الحيوي في تقديم الدعم والمساعدة الطبية، مشيدا بجهود منظمات المجتمع المدني التي تعمل جاهدة لتقديم الخدمات الصحية الأساسية في مختلف أنحاء البلاد. واستعرض الدكتور تجربة جمعية الأطباء السودانيين الأمريكيين (SAPA) كنموذج يحتذى به، موضحا كيف استطاعت هذه المنظمة أن تحقق إنجازات ملموسة في ظل التحديات الجسام التي تواجه القطاع الصحي في السودان.

في أعقاب العروض التقديمية الشاملة، دارت نقاشات مثمرة وحوارات بناءة بين المشاركين، الممثلين عن مختلف المنظمات والهيئات المعنية. وقد تميزت هذه النقاشات بتنوع الآراء والأفكار، حيث تبادل المشاركون رؤاهم حول سبل معالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة في السودان. كما تم طرح العديد من الاستراتيجيات والاقتراحات الهادفة إلى تعزيز التعاون والتنسيق بين مختلف الجهات العاملة في المجال الإنساني، وذلك لتقديم الدعم اللازم وتلبية الاحتياجات الملحة للشعب السوداني.

في كلمته الختامية، أكد الدكتور مهند النسور على الأهمية الاستراتيجية لهذه الحملة الإنسانية، مشددا على ضرورة التكاتف والتعاون لدعم القطاع الصحي المتضرر في السودان. ومع ذلك، حذر الدكتور النسور من الاكتفاء بالجهود الإغاثية الطارئة، داعيا إلى ضرورة العمل على جذور المشكلة والعمل على إنهاء الأزمات من خلال السبل الدبلوماسية والحوار البناء، بالإضافة إلى تنظيم حملات الضغط والمناصرة على المستويين المحلي والدولي.

شهد هذا المنتدى مشاركة واسعة من قرابة 240 خبيرا في الصحة العامة، ممثلين لمجموعة متنوعة من المؤسسات والمنظمات من إقليم شرق المتوسط والعالم. وفي ضوء النقاشات المثمرة والتوصيات القيمة التي خلصت إليها فعاليات المنتدى، تقرر عقد منتدى دولي للمتابعة على هامش المؤتمر الإقليمي القادم لامفنت منتصف شهر سبتمبر الحالي.