يعيش إقليم شرق المتوسط صراعات طويلة الأمد وحالة من عدم الاستقرار السياسي التي أدى إلى نشأة تعقيدات داخل مجتمعاته. وتتراوح هذه التعقيدات بين نزوح السكان وانتشار الأوبئة وضعف في الأنظمة الصحية.

ولمعالجة هذه المشكلات، عقدت امفنت ندوة عبر الإنترنت يوم 16 من يناير/كانون ثاني 2024 بعنوان: التحديات في العمل الإنساني: منطقة شرق المتوسط مثالا. وجائت هذه الندوة كافتتاحية لسلسلة جديدة من الندوات التي تركز على معالجة التحديات التي نواجهها عند الاستجابة للأزمات الإنسانية. وللبناء على النقاشات والحلول التي وردت في هذه الندوة، عقدت امفنت الجزء الثاني من هذه السلسلة، والتي حملت هذه المرة عنوان: منطقة شرق المتوسط من الأزمة إلى الحلول.

عُقدت الندوة الإلكترونية الثانية من السلسلة في 27 شباط/فبراير 2024، وركزت على التحديات التي تمت مناقشتها في الندوة السابقة، والتي تتعلق أساسا بمحدودية الوصول إلى الموارد والعاملين والتمويل، فضلا عن أهمية إنفاذ القوانين الدولية في المجال الإنساني. كما قدمت أيضا رؤى من الميدان داخل مناطق النزاع في منطقة شرق المتوسط، وهما غزة والسودان، وأتاحت مساحة لتبادل أفضل الممارسات والدروس المستفادة من الاستجابات الإنسانية السابقة.

تم تقديم هذه المناقشات والرؤى من قبل ثلاثة خبراء في المجال وهم: أستاذ الجراحة، ورئيس مجلس أمناء الجمعية الطبية الوطنية العربية الأمريكية (ناما) ورئيس جامعة الخليل، أ.د. عمر لطوف، وطبيب استشاري وأستاذ مساعد في الطب الباطني ومدير الصحة والتغذية في منظمة إنقاذ الطفولة بالسودان، الدكتور بشير كمال الدين حامد السنوسي، ومدير الصحة والرعاية في وحدة الصحة والكوارث والمناخ والأزمات في المكتب الإقليمي للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، د. هيثم قوصة.

وقام بتيسير الجلسة كل من مدير مركز إدارة طوارئ الصحة العامة في امفنت د. هيثم بشير، وخبير الصحة العامة والأستاذ في قسم طب الأسرة والمجتمع في كلية الطب في جامعة بغداد في العراق، د. فارس لامي.

وفي عرضه التقديمي الذي حمل عنوان "المؤتمر الدولي الأول لإعادة بناء قطاع الصحة في غزة"، ذكر د. لطوف أن المؤتمر الذي يحمل عنوان كلمته قد تم عقده ليجمع بين أكثر المتخصصين في الطب والرعاية الصحية قدرة في العالم، وقادة من الحكومات ومن القطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، لإعداد تقرير وخريطة طريق لإصلاح وإعادة بناء وتحديث القطاع الصحي في غزة.

وذكر د. لطوف أن إعادة بناء النظام الصحي في غزة يجب أن تتم عبر أربع مراحل. في المرحلة الأولى، يجب التركيز على التصدي للحالة الطارئة الحالية، ويتم تحقيق ذلك من خلال توفير رعاية أولية محددة مثل العناية بالجروح وطب الطوارئ والطب الميداني. وبشكل أكثر تحديدا، تركز هذه المرحلة على الحد من معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات من خلال إدارة انتشار الأمراض والعدوى وسوء التغذية. وأوضح أن المرحلة الثانية ستكون مرحلة انتقالية، حيث ينبغي توجيه الجهود نحو بناء المستشفيات الميدانية، واستخدام العيادات المتنقلة، وزيادة القوى العاملة في مجال الصحة.

المرحلتين الثالثة والرابعة تركزان على إعادة الإعمار والاستدامة على الترتيب. ففي مرحلة الإعمار، يجب التركيز على بناء أنظمة صحية أكثر قوة وذكاء مما كانت عليه من قبل، وهذا ينطوي على الالتزام بتعزيز جاهزية البنية التحتية، مما يستلزم وجود أساس متين لمرافق الرعاية الصحية الأولية، ومساحات الاستشارة، والبنية التحتية ذات الصلة. وأخيرا، تتطلب مرحلة الاستدامة نهجا مرنا ومتكيفا لإعادة الإعمار بعد حل النزاع.

وقدم المتحدث الثاني الدكتور السنوسي عرضا بعنوان "التحديات الإنسانية" ركز خلاله على الوضع في السودان. وذكر أن حوالي 65% من السكان يفتقرون إلى الرعاية الصحية وأن ما بين 70% إلى 80% من المستشفيات في المناطق المتضررة من النزاع قد خرجت تماما عن الخدمة. وأضاف أن حالات الكوليرا المشتبه فيها تستمر في التزايد، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من 10,700 حالة مشتبه بها، بما في ذلك 292 حالة وفاة مرتبطة بها وهذا حتى تاريخ 17 شباط/فبراير 2024.

وعلى الرغم من هذه الإحصاءات الخطيرة، فإن تقديم المساعدات الإنسانية في صراع قائم يمثل تحديا أمنيا ولوجستيا كبيرا، إذ لم تتمكن جهات الاستجابة الإنسانية الدولية من مواكبة حجم الأزمة في السودان ووتيرة تزايدها. ثم تحدث د. السنوسي عن تدخل منظمة إنقاذ الطفولة في السودان، مشيرا إلى تنفيذها 35 برنامجا للاستجابة الطارئة، بما في ذلك الاستجابة للكوليرا في عدة ولايات بالإضافة إلى تشغيل 80 منشأة صحية في 10 ولايات. واختتم د. السنوسي كلمته بالقول أن الحل الوحيد من أجل إحراز التقدم في مجال الرعاية الصحية هو تحقيق السلام في السودان، وأن السلام هو أملنا الوحيد للتغلب على التحديات المالية واللوجستية والاتصالاتية.

أما بالنسبة للمتحدث الثالث في الندوة، د. قوصة، فقد ألقى برسالة مؤثرة أكد فيها على أهمية تسهيل الوصول للاستجابة الإنسانية وأن هذا الوصول لا يتعلق بالأمن فحسب، بل يتعلق أيضا بالقبولية، إلا أنه يتعذر تحقيق هذا المسعى بسبب تسييس المساعدات الإنسانية. ويعزى ذلك إلى الوضع الحالي على أرض الواقع. وشدد د. قوصة أيضا على ضرورة بناء قدرات القوى العاملة المحلية في مناطق النزاع. وأكد أيضا أن السبيل إلى الأمام هو بناء أنظمة صحية متينة من خلال التمويل المحلي وبناء القدرات المحلية، واعتماد خطط مرنة قصيرة الأجل تركز على التأهب وليس الاستجابة فقط. ومن زاوية أخرى أوصى بالاستثمار في التكنولوجيات الجديدة والطاقة الخضراء المتجددة.

بعد العروض التقديمية المثرية، أدار د. بشير جلسة الأسئلة والأجوبة، حيث خاض المشاركون والمقدمون نقاشا معمقا. ثم اختتمت الندوة بتقديم الشكر للمتحدثين على إثرائهم للحديث وللحضور على مشاركتهم القيمة.

حضر هذه الندوة الإلكترونية أكثر من 180 متخصصا في الصحة العامة، وسجلت نجاحا آخرا ضمن نجاحات WEBi Series من امفنت.