يشكل الارتفاع المتزايد في معدلات الإصابة بالأمراض غير السارية تهديدا كبيرا على الصحة العالمية، حيث تتسبب هذه الأمراض في 74٪ من حالات الوفاة حول العالم. ويلقي هذا العبء المتزايد على كاهل البلدان مسؤولية كبيرة، تتمثل في تقييم قدراتها ضمن نطاق الصحة العامة، ووضع خطط استراتيجية فعالة لمكافحة هذه الأمراض. ولطالما اعتمدت الأدوات المستخدمة في إدارة الأمراض غير السارية على نهج "من أعلى لأسفل"، مما أدى إلى افتقارها إلى التفصيل اللازم لتناسب احتياجات كل بلد على حدة. ولذلك، بات من الضروري اتباع نهج جديد أكثر فاعلية، يبدأ من فهم دقيق لاحتياجات كل بلد، وتحديد نقاط قوته وضعفه، وتصميم خطط مخصصة تراعي سياقه الخاص.

إدراكا منها للفجوة الموجودة في مجال تقييم وتخطيط قدرات مكافحة الأمراض غير السارية، قامت الشبكة الشرق أوسطية للصحة المجتمعية (امفنت) بالتعاون مع فريق تعزيز النظام الصحي العالمي في المراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها (USCDC) والرابطة الدولية للمعاهد الوطنية للصحة العامة (IANPHI) بتطوير أداة تقييم وتخطيط القدرات للأمراض غير السارية (N-CAP). وتعد هذه المبادرة خطوة هامة لتقديم الدعم لوزارات الصحة وغيرها من الجهات الحكومية وغير الحكومية في تقييم وتحديد أولويات وتعزيز وظائف الصحة العامة، تمهيدا لتمكين البلدان من الاستجابة بشكل فعال لتفشيات الأمراض غير السارية. ومن بين الإنجازات البارزة لهذا التعاون، نشر مخطوطة بعنوان "معالجة التهديدات الصحية العامة الناشئة: أداة تقييم وتخطيط القدرات للأمراض غير السارية (N-CAP)" في مجلة "Frontiers" للصحة العامة، مما يساهم في نشر المعرفة حول هذه المبادرة وتوسيع نطاق تطبيقها.

تعد أداة تقييم وتخطيط القدرات للأمراض غير السارية (N-CAP) منهجية شاملة لمكافحة الأمراض غير السارية، تبدأ بالتزام قوي من قبل وزارة الصحة في البلد المعني. تشكل هذه الخطوة الأولى حجر الأساس لنجاح المبادرة، حيث ترسي قاعدة متينة لتنفيذها على أكمل وجه. وتعتمد الأداة على نهج تشاركي، إذ تتضمن المرحلة الأولى من المشروع رسم خريطة لأصحاب المصلحة، حيث يتم تحديد جميع الجهات الفاعلة الرئيسية، بما في ذلك وزارات الصحة، وقطاعات الصحة العامة، ومقدمي الرعاية الصحية. ثم يتم إشراك هؤلاء الأطراف في ورشة عمل تحليل نقاط القوة ونقاط الضعف والفرص والتهديدات (SWOT) لتقييم الوضع الحالي للأمراض غير السارية في البلد، وتحديد المجالات التي تتطلب اهتماما خاصا.

تشكل الرؤى المستخلصة من هذه الورشة بوصلة توجيهية للموضوعات والتركيزات في ورش العمل اللاحقة ضمن مشروع أداة تقييم وتخطيط القدرات للأمراض غير السارية (N-CAP). خلال هذه الورش، يتعاون المشاركون من أصحاب المصلحة لتقييم الوضع وتحديد الأولويات المتعلقة بالإجراءات، مما يؤدي إلى وضع استراتيجيات قابلة للتنفيذ ومصممة خصيصا لمكافحة الأمراض غير السارية بفعالية.

لا تقتصر أداة تقييم وتخطيط القدرات للأمراض غير السارية (N-CAP) على التقييم والتخطيط فحسب، بل تولي اهتماما كبيرا لضمان تنفيذ الخطط الموضوعة. ويهدف ذلك إلى خفض معدلات الإصابة والوفاة الناتجة عن الأمراض غير السارية، وتعزيز التنسيق متعدد القطاعات، مما يساهم في تحقيق نتائج صحية مستدامة على المدى الطويل.

بفضل وجود نهج منظم وشامل ويجمع مشاركة فاعلة من مختلف أصحاب المصلحة،  يصبح بالإمكان تحديد أولويات تعزيز وظائف الصحة العامة ومكافحة الأمراض غير السارية بكفاءة. ينتج عن ذلك تقييم دقيق وخطة عمل منظمة تهدف إلى الارتقاء بقدرات الصحة العامة في البلد. وتوكل مهمة تنفيذ هذه الخطط إلى الجهات الحكومية، على رأسها وزارة الصحة.

أثبتت التجارب الأولية في الأردن والعراق جدوى وفعالية أداة تقييم القدرات الوطنية للأمراض غير السارية (N-CAP) في تعزيز جهود الوقاية من هذه الأمراض ومكافحتها. وقد أدت التعديلات التي طالت مواد أداة تقييم وتخطيط القدرات للأمراض غير السارية (N-CAP) وإجراءاتها بعد هذه التجارب إلى تحسين ملاءمتها للاحتياجات المحلية وجعلها أكثر سهولة في الاستخدام.

ففي الأردن، أكدت الحاجة إلى مشاركة وزارة الصحة بشكل مبكر ومستمر على أهمية إشراك أصحاب المصلحة الرئيسيين في جميع مراحل العملية، من التخطيط إلى التنفيذ. أما في العراق، فقد أثبت استخدام وسطاء محليين على دراية بملفات الأمراض غير السارية فعاليته في ضمان مشاركة أصحاب المصلحة وقيادة الورش بنجاح.

ساهمت هذه الدروس المستفادة في صقل أداة تقييم وتخطيط القدرات للأمراض غير السارية (N-CAP) مما يضمن استمرارها كأداة قيمة لوزارات الصحة في جميع أنحاء العالم ضمن المساعي المبذولة لمكافحة الأمراض غير السارية.

تقدم أداة تقييم وتخطيط القدرات للأمراض غير السارية (N-CAP) منظومة متكاملة لمواجهة التحديات المتزايدة للأمراض غير السارية. من خلال التحسين المستمر والتطبيق الفعال، ستلعب أداة تقييم وتخطيط القدرات للأمراض غير السارية (N-CAP) دورا هاما في تعزيز صحة ورفاه السكان على مستوى العالم، لتكون بمثابة خطوة حاسمة في مسيرة تطوير وتنفيذ استراتيجيات الصحة العامة.

اقرأ المخطوطة الكاملة من هنا (متاحة باللغة الإنجليزية فقط)